في ليلة رأس السنة كان هناك فريقان متناقضان قضوا ليلتهم أو أكثرها، جزء من الناس كعادته اجتمع مع رفقاء السوء وشياطين الأنس في سهرةأنس
كما يسمونها ليستقبلوا عامهم بالمعاصي والذنوب، رقص وغناء وطرب، وصنف آخر من الناس هم نقيض هؤلاء فقد قضوا ليلتهم في صلاة (الخسوف) حيث أن القمر قد شوهد عندما كان منخسفا وظهرت آية من آيات الله في الكون ففزع الصالحون إلى ربهم يصلون ويستغفرون، والجزء الأكبر من الناس لم يقض ليله لا بالمعاصي والذنوب، حمداً لله، ولكنهم لم يعلموا بقيام صلاة الخسوف ولم يشعروا بتلك الآية.
هكذا هم البشر، خلقهم الله تعالى لعبادته فمنهم من ادى ما طلبه الله منه ومنهم من يسعى في الذنوب والمعاصي حثيثا، منهم الشاكر لنعم الله عليه ومنهم الكفور {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [سورة الإنسان: 3]، منهم من يخاف مقام ربه وينهى نفسه عن هواها، ومنهم من جعل الهوى إلها وشهوات نفسه قائدة له.
أما الفريق الذي لا يعيش لأجل شهواته وذنوبه ويحرص على أداء واجباته وفروضه فهم نوعان، نوع يحرص فقط على نفسه وإصلاحها ونوع هو الأكمل والأعلى وهو الذي يحرص على صلاح نفسه ويدعو غيره لهذا الصلاح، وهؤلاء هم ورثة الأنبياء الذين تعلموا شيئاً من الدين وعلموه غيرهم، فهم يدعون الى الله على بصيرة ويعلمون الناس دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وهؤلاء هم أحسن الناس قولاً {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت: 33]، وعادة أهل الشهوات والمنغمسين في الذنوب والمعاصي أنهم ينزعجون من الدعاة إلى الله تعالى، ويتأففون من إنكارهم عليهم، إلا من رحم الله منهم ممن يستجيب لنداء الحق ويتذكر ويرجع إلى ربه ويشكر ناصحه، أما الغالبية من المجاهرين بالمعاصي فهم "لا يحبون الناصحين" ويعتبرون نصيحتهم ودعوتهم لهم تدخلاً في شؤونهم الخاصة وحرياتهم المطلقة حتى في أشد الذنوب وأكبر الكبائر.
الصراع في الأرض دوماً بين هذين الصنفين، المصلحون من أهل الدعوة إلى الله، والفاسقون الذين تشربت قلوبهم بحب الذنوب والمعاصي ممن تطوعوا للتصدي للمصلحين، والصد عن سبيل الله، والمعركة غير متكافئة من عدة أوجه؛ فالدعاة إلى الله مطالبون بالصدق والأمانة، والصادون عن سبيل الله لا يبالون بصدق حديثهم ولا أمانة عندهم في صراعهم، والدعاة إلى الله مشفقون على غيرهم يريدونهم معهم ليغفر الله لهم ويحبون الخير لخصومهم، أما أهل المعاصي فلا يبالون بخصومهم حتى لو تسببوا بكفرهم وضلالهم بل تراهم يفرحون بهذا ويتشمتون بسقطاتهم {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [سورة غافر: 41].
الدعاة إلى الله مطالبون بعدم السخرية وترك الإسفاف بالحديث والبعد عن الشتائم، أما خصومهم فهم لا يتورعون حتى عن الاستهزاء بأشكال الدعاة أو أسمائهم أو ألقابهم، بل وصل بهم الحال إلى الاستهزاء على تمسكهم بالسنن النبوية والشريعة الربانية، وسبهم القديم وشتمهم للمصلحين عبر التاريخ لم يتغير، فتارة يصفون الدعاة الى الله (بالجنون) وتارة (بالكذب) وأحيانا يتهمونهم (بالسحر) وأخرى بأنهم يريدون السلطة والكبرياء، وكما قال الله في القرآن {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [سورة المطففين: 29].
إن هؤلاء المصلحين يحملون عن الأمة وزرها لو تركت بغير إصلاح، وهم صمام الأمان الذي يمنع هلاكها {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [سورة هود: 117]، ولو ترك اهل المجاهرة بالذنوب والمعاصي بغير إنكار ولا إصلاح لفسدت الأرض ومن عليها، ولأوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده، فلله درهم يتحملون الأذى والشتائم والسباب وهم لا يريدون إلا وجه الله والدار الآخرة.
لما جاء (شعيب) عليه السلام إلى قومه الذين أفسدوا البيوع وأكلوا أموال الناس بالباطل سبوه وشتموه واتهموه بأنه يتدخل في حرياتهم بالبيوع، ولما جاء (لوط) عليه السلام ينهى قومه عن الفواحش والشذوذ، حاولوا طرده من بلادهم ثم أرادوا قتله لولا أن الله نجاه منهم، ولما جاء (محمد) عليه الصلاة والسلام لقومه لم يتركوا وصفا سيئاً إلا وصفوه به مع أنهم يعلمون صدقه وأمانته، وهكذا من أخذ بوظيفة الأنبياء فإنه سيناله من اتباع الشيطان ما سيناله، ولكن النهاية معلومة فالعاقبة للمتقين ولو بعد حين {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [سورة هود: 81].
صحيح أن أهل الذنوب والمعاصي عندنا أكثرهم مؤمنون موحدون، لكن الخطورة فيمن يجاهر ويعاند ويكابر، بل ويعادي الدعاة إلى الله ويحارب المصلحين ويصد عن السبيل فهؤلاء على شفا جرف هار وهم إلى النفاق أقرب منهم إلى الإيمان، وسيعلم الجميع في نهاية المطاف من تكون له عاقبة الدار.
الاستاز الشيخ نبيل العوضي6\1\2010