تسيـلُ الدمـوع.. وتتـطاير على صفحة الوجه خُصلاتُ شعرٍ أمام إيقاعاتِ القلب الذي ينبض بحبٍّ لا يجرؤ على الظهور. لحبٍّ ينمو ويكبر في أرض القلب الخصبة، فغدا غابةً من شوقٍ وحنين تمتدُ على كاملِ مساحة الجسد النحيل الذي يضيق عن الانفعالات المتمردة للروح المسجونة فيه..
يرتمي الوجه على وجه الوسادة ويجهشُ الصوت ببكاءٍ مخنوق تحملُ الريح صداه إلى أرضٍ صفراءَ يلفها الصمتُ والصقيع. هناك حيث تُعدم الأحلام البريئة والأماني الجملية.
يشتدُّ سواد اللّيل الطويل ويظّل الجرح المخمور بالألم ساهراً مع ظلامٍ عارٍ يسخر من الجرح النَّازف والوسـادة المبلّلـة، والجسـد يتقلب على جمرِ الاحتمالات وتشعلُ تفاصيل الأشياء في النّفس جحيماً لا يطاق...
تحتَملُ الوسادة البريئة ضرباتٍ مقهورةٍ دون صراخ. وتمتصُ بكلِّ عطفٍ مـاءَ العينين المالح. لكنها لا تلبثُ أن تختنق من عناقٍ مقهورٍ غاضب. فتطفو في فضاءِ الغرفةِ رغبةٌ بالموت دخـلت خلسةً من شبـاكٍ مسدل الستائر...
تفتح عينيها وتحدق في الظلام عندما تسمع أصواتاً من داخلها تقول: ماذا ستفعلين..؟؟
سيسحقون زهوركِ بأقدامهم الثقيلة أو يقتلعونها من خاصرة الطريق فيغدو مقفراً.. لابدّ أنهم الآن فتحوا لظنونهم الأشرعة وأطلقوها في بحر الشّك فأبحرتْ فيه بعيداً.. سيمنعون أشعة الشّمس من زيارتكِ أو حتى من طرق بلور نافذتكِِ.. وسيعلّقُ الجيرانُ على حبال الغسيل حسراتٍ كاذبةٍ بلونِ الشّماتة الصفراء..
تتسع حدقتاها بتصميمٍ هزيــل وتردُّ على تلك الأصوات:
سأتركُ اللؤلؤة داخل صدفتها لتزداد جمالاً.. إلى أن يحين موعد قطافها.
فتهمس لنفسها.. لكني أخـافُ أن يتـأخر الـغد الموعود. فيطلقون عن سبق إصرارٍ على القلبِ سهماً حادَّاً مالحاً.. فتسقطتُ منه اللؤلؤة ويبتلعها الأخطبوط إلى الأبد....
.. وشيئاً.. فشيئاً تخبو همساتُ الهواجسِ الخريفية وتنغلق الأجفان على بعضها، وتستعدُ الروح لرحلتها اليومية مع موج الحلم المسافر، لتعانق في المطلق روحاً أخرى ينام جسدها في مكانٍ ما ويحلم بالحبّ..
وكسندريلا.. تعود قبل الفجر بقليل لتجدَ الجسد الذي غادرته مكفناً بصقيعٍ أخرس، واستحال صوت الوجع الممزوج بأسرارٍ لم تُبح إلى صّمتٍ أبدي.. فتتكاثف الرّوح وتسقطتْ قطراتٌ من نزيفها لتسقي زهوراً بنفسجيةً صغيرةً نَمتْ في اللّيل فوق الشراشف الوردية... ثم تطوفُ في أرجاءِ الغرفةِ الأنثى تلملم شتاتها لتعبر بها مسافات الوقت البيضاء. بعد أن تركتْ خلفها النافذةَ جُرحاً مفتوحاً ينزف روحاً لتسبح في البحر السماوي إلى المنفى الأخير.. حيث لا حدود للمكان ولا زمان.