الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
هذه
رسالة موجهة لكل مسلم أدرك رمضان وهو في صحة وعافية ، لكي يستغله في طاعة
الله تعالى ، وحاولت أن تكون هذه الرسالة في وسائل وحوافز إيمانية تبعث في
نفس المؤمن الهمة ، والحماس في عبادة الله تعالى في هذا الشهر الكريم ،
فكانت بعنوان " عشر وسائل لاستقبال رمضان وعشرة حوافز لاستغلاله "
فأسأل
الله تعالى التوفيق والسداد وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وصلى
الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كيف نستقبل
رمضان ؟
س: ما هي الطرق السليمة لاستقبال هذا الشهر الكريم
؟
ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات ، وأن يكون من
السابقين إليها ومن المتنافسين فيها ، قال الله تعالى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [المطففين :26]
فاحرص
أخي المسلم على استقبال رمضان بالطرق السليمة التالية :
الطريقة
الأولى : الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية ، حتى تنشط
في عبادة الله تعالى ، من صيام وقيام وذكر ، فقد روي عن أنس بن مالك – رضي
الله عنه – أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال « اللهم
بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان » رواه أحمد والطبراني – لطائف المعارف .
وكان
السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه أن يتقبله منهم .
فإذا
أهل هلال رمضان فادع الله وقل : ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن
والإيمان والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ربي وربك الله )
رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان .
الطريقة الثانية : الحمد
والشكر على بلوغه : قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار ( اعلم أنه يستحب
لمن تجددت له نعمة ظاهرة ، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله
تعالى أو يثني بما هو أهله
وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه
للطاعة ، والعبادة فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي
نعمة عظيمة ، تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها ، فالحمد
لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .
الطريقة
الثالثة : الفرح والإبتهاج ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان
يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول : « جاءكم شهر رمضان ، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم
صيامه ، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم ... الحديث » أخرجه أحمد .
وقد كان
سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان
يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه ، وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان
موسم الخيرات وتنزل الرحمات .
الطريقة الرابعة : العزم والتخطيط
المسبق للإستفادة من رمضان ، الكثيرون من الناس وللأسف الشديد حتى
الملتزمين بهذا الدين يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا ، ولكن قليلون هم
الذين يخططون لأمور الآخرة ، وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في
هذه الحياة ، ونسيان أو تناسي أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة
لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر ، ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة ،
التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات ، فيضع المسلم له برنامجاً
عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى ، وهذه الرسالة التي
بين يديك تساعدك على اغتنام رمضان في طاعة الله تعالى إن شاء الله تعالى .
الطريقة
الخامسة : عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة ،
فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير ، قال الله عز وجل
{ فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم }
[محمد:21]
الطريقة السادسة : العلم والفقه بأحكام رمضان ، فيجب على
المؤمن أن يعبد الله على علم ، ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على
العباد ، ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه
قبل مجيئه ، ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى { فاسألو أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [الأنبياء:7]
الطريقة السابعة : علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام
والسيئات ، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب ، والإقلاع عنها وعدم العودة
إليها ، فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب ؟
قال الله تعالى { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
[النور:31]
الطريقة الثامنة : التهيئة النفسية والروحية من خلال
القراءة والإطلاع على الكتب والرسائل ، وسماع الأشرطة الإسلامية من
المحاضرات والدروس التي تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة
فيه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهئ نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر
فيقول في آخر يوم من شعبان : «
جاءكم شهر رمضان ... الحديث » أخرجه أحمد والنسائي –
لطائف المعارف .
الطريقة التاسعة : الإعداد الجيد للدعوة إلى الله
فيه ، من خلال :
1- تحضير بعض الكلمات والتوجيهات تحضيراً جيداً
لإلقائها في مسجد الحي .
2- توزيع الكتيبات والرسائل الوعظية
والفقهية المتعلقة برمضان على المصلين وأهل الحي .
3- إعداد – هدية
رمضانية – وبإمكانك أن تستخدم في ذلك الظرف بأن تضع فيه شريطين وكتيب ،
وتكتب عليه هدية رمضان .
4- التذكير بالفقراء والمساكين ، وبذل
الصدقات والزكاة لهم .
الطريقة العاشرة : نستقبل رمضان بفتح صفحة
بيضاء مشرقة مع :
أ- الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة .
ب-
الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر .
ت-
مع الوالدين والأقارب والأرحام ، والزوجة والأولاد بالبر والصلة .
ث-
مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبداً صالحاً ونافعاً ، قال صلى الله
عليه وسلم « أفضل الناس أنفعهم للناس »
هكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال
الأرض العطشى للمطر ، واستقبال المريض للطبيب المداوي ، واستقبال الحبيب
للغائب المنتظر .
فاللهم بلغنا رمضان وتقبله منا إن أنت السميع
العليم .
كيف تتحمس لاستغلال رمضان ؟
لكي
تتحمس لاستغلال رمضان في الطاعات اتبع التعليمات التالية :
1-
الإخلاص لله في الصيام :
الإخلاص لله تعالى هو روح الطاعات ، ومفتاح
لقبول الباقيات الصالحات ، وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات ، وعلى قدر
النية والإخلاص والصدق مع الله وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده
المؤمن ، قال ابن القيم رحمه الله : وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده
ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وتعالى وإعانته ...
وقد أمرنا
الله جل جلاله بإخلاص العمل له وحده دون سواه فقال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء }
[البينة:5]
فإذا علم الصائم أن الإخلاص في الصيام سبب لمعونة الله
وتوفيقه هذا مما يحفز المؤمن لاستغلال رمضان في طاعة الرحمن سبحانه وتعالى (
صيام + إخلاص لله ) = حماس وتحفيز .
2- معرفة أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم :
وخصلة أخى
تدعوك للتحمس لاستغلال رمضان في طاعة الرحمن ألا وهي : معرفة أن الرسو ل
صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه فيقول : « جاءكم شهر رمضان شهر
مبارك كتب الله عليكم صيامه .. الحديث » وهذا يدل على عظم استغلال رمضان في الطاعة
والعبادة ، لذا بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام ليستعدوا
لاغتنامه .
3- استشعار الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين
ومنها :
أ- أن أجر الصائم عظيم لا يعلمه إلا الله عز وجل « كل
عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به »
ب- من صام يوماً في سبيل الله يبعد
الله عنه النار سبعين خريفاً فكيف بمن صام الشهر كاملاً .
ت-
الصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتى يدخل الجنة .
ث- في الجنة باب
يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون .
ج- صيام رمضان يغفر جميع
ما تقدم من الذنوب
ح- في رمضان تفتح أبوان الجنة وتغلق أبواب
النيران
خ- يستجاب دعاء الصائم في رمضان .
اخي هلا أدركت
الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين
فما عليك إلا أن تشمر عن
ساعد الجد وتعمل بهمة ونشاط لتكون أحد الفائزين بتلك الجوائز العظيمة .
4-
معرفة أن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع
العبادات :
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور ،
ومما يزيدك تحمساً لاستغلال رمضان أن تعلم أن رسولك العظيم صلى الله عليه
وسلم كان يكثر من أنواع العبادة بما لا يخص غيره من الشهور الأخرى ، فهل لك
في رسول الله قدوة وأسوة ؟ والله تعالى يقول { لقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } [الأحزاب:21]
فتُكثر من أنواع
الطاعات في هذا الشهر .
5- إدراك المسلم البركة في هذا الشهر الكريم
، ومن ملامح هذه البركة حتى تزيدك حماساً :
أ-البركة في المشاعر
الإيمانية : ترى المؤمن في هذا الشهر قوي الإيمان حي القلب ، دائم التفكر ،
سريع التذكر ، إن هذا الأمر محسوس لانزاع فيه أنه بعض عطاء الله تعالى
للصائم .
ب- البركة في القوة الجسدية : فأنت أخي الصائم رغم ترك
الطعام والشراب ، كأنما ازدادت قوتك وعظم تحملك على احتمال الشدائد ، ومن
ناحية أخرى يبارك الله لك في قوتك فتؤدي الصلوات المفروضة ، ورواتبها
المسنونة ، وبقية العبادات رغم الجوع والعطش .
ج- البركة في الأوقات
: تأمل ما يحصل من بركة الوقت بحيث تعمل في اليوم والليلة من الأعمال ما
يضيق عنه الأسبوع كله في غير رمضان .
فاغتنم بركة رمضان وأضف إليها
بركة القرآن ، واحرص على أن يكون ذلك عوناً لك على طاعة الرحمن ، ولزوم
الإستقامة في كل زمان ومكان .
وهذا مما يزيدك تحمساً وتحفزاً على
استغلال بركة هذا الشهر .
6- ومما يعين على التحمس لإستغلال هذا
الشهر الفضيل في الطاعة :استحضار خصائص شهر رمضان .
أخي الحبيب خص
الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها :
أ
- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
ب - تستغفر الملائكة
للصائمين حتى يفطروا .
ج - يزين الله في كل يوم جنته ويقول « يوشك
عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك »
ح - تفتح أبواب
الجنة وتغلق أبواب النار
خ - فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر من
حرم خيرها فقد حرم الخير كله
د - يغفر للصائمين في آخر ليلة من
رمضان
ر - لله عتقاء من النار في آخر ليلة من رمضان.
7-
استشعار أن الله تعالى اختص الصوم لنفسه من بين سائر الأعمال :
ومزية
عظيمة يحصل عليها مستغل رمضان في الخير ، تجعل المرء لا يفرط في رمضان ألا
وهي : أن الله تعالى اختص قدر الثواب والجزاء للصائم لنفسه من بين سائر
الأعمال كما في الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : « كل
عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ... » إن هذا الاختصاص مما يزيد المؤمن حماساً
لاستغلال هذا الفضل العظيم .
8- معرفة مدى اجتهاد الصحابة
الكرام والسلف الصالح في الطاعة في هذا الشهر الكريم :
لقد أدرك
الصحابة الأبرار فضل شهر رمضان عند الله تعالى فاجتهدوا في العبادة ،
فكانوا يحيون لياليه بالقيام و
وتلاوة القرآن ، كانوا يتعادون فيه
الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام ، وكانوا
يجاهدون
أعداء الله في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله .
9-
معرفة أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة :
وخصلة أخرى تزيدك
تعلقاً بالصيام وحرصاً عليه هي أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة عند الله
تعالى ، ويكون سبباً لهدم الذنب عنه ، فنعم القرين ، قرين يشفع لك في أحلك
المواقف وأصعبها ، قال صلى الله عليه وسلم « الصيام والقرآن
يشفعان للعبد يوم القيامة : يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات
بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه
فيشفعان » رواه
أحمد في المسند .
10 – معرفة أن رمضان شهر القرآن وأنه شهر الصبر :
وأن
صيامه وقيامه سبب لمغفرة الذنوب ، وأن الصيام علاج لكثير من المشكلات
الإجتماعية ، والنفسية ، والجنسية ، والصحية .
فمعرفة كل هذه الخصال
الدنيوية والأخروية للصائم مما يحفز على استغلاله والمحافظة عليه .
هذه
بعض الحوافز التي تعين المؤمن على استغلال مواسم الطاعات ، وشهر الرحمات
والبركات ، فإياك والتفريط في المواسم فتندم حيث لاينفع الندم ، قال الله
تعالى { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً }
[الإسراء:21]
نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين .