العروبة والعربية في القرآن الكريم
د. إبراهيم علوش
لا يمكن لقارئ القرآن أن لا يفخر بالعربية وأهلها، فليس بين العروبة والإسلام تضاد، بل تكاملٌ ووئام. ولكن العروبة قبل الإسلام كانت جاهلية، وباتت بعد الإسلام دولةٌ وحضارة، وقد نزل الإسلام على العرب أولاً وبلسانهم، وانتشر في العالمين بعزمهم، وقد جاءت في العربية آياتٌ محكماتٌ تذكرها بالذات، وتدلل عليها بالاسم، فلا يعقل بعدها أن يكون هذا الكم من الآيات القرآنية بلا مغزى. ولا يعقل أن لا يفكر المرء بمعناها. وأنظر مثلاً بعضها فيما يلي:
ففي سورة الرعد: "وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من وليٍ ولا واقٍ" (37).
وفي سورة يوسف: "إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون" (2).
وفي سورة الزمر: "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلِ مثلٍ لعلهم يتذكرون (27) قراناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون (28)".
وفي سورة فصلت: "تنزيلٌ من الرحمن الرحيم (2) كتابٌ فصلت آياته قراناً عربياً لقومٍ يعلمون (3)".
ومن جديد في سورة فصلت: "ولو جعلناه قراناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجميٌ وعربيٌ قل هو للذين أمنوا هدىً وشفاء... (44)".
وفي سورة الشعراء: "نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسانٍ عربيٍ مبين (195)".
وفي سورة الشورى: "وكذلك أوحينا إليك قراناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها...(7)".
وفي سورة الزخرف: "إنا جعلناه قراناً عربياً لعلكم تعقلون (3)".
وفي سورة الاحقاف: "... وهذا كتابٌ مصدقٌ لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين (12)".
وفي سورة طه: "وكذلك أنزلناه قراناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً (113)".
وفي سورة النحل: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشرٌ لسان الذين يلحدون إليه أعجميٌ وهذا لسانٌ عربيٌ مبين (103)".
ولا أزعم الإحاطة بكل ما يرتبط بالعربية والعروبة أعلاه ولكن الأمثلة السابقة تثبت أن: 1) الوحي نزل بالعربية، 2) لأم القرى ومن حولها أولاً، أي لمكة والعرب حولها، ومن عبرهم لباقي العالمين، 3) بلغة عربية فصيحة لا تشوبها شائبة، 4) من أجل إنذار وهداية العرب بلغةٍ يفهمونها، لا بلغة غريبة عنهم، أي أنه ارتبط منذ البداية بالإنسان العربي.
فهذا تكريم كبير للعرب والعربية، ومسؤولية تهد الجبال، ولكن "إنما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هاد" (الرعد، الآية 7)، "وإنه لذكرٌ لك ولقومك" (الزخرف، الآية 44)، بالإضافة لعدد من الآيات الأخرى التي تتوجه لقوم الرسول الأمين أو تتوجه للرسول، عليه الصلاة والسلام، لتحدثه عن قومه، فليس هناك أي شيء على الإطلاق في القرآن يرفض فكرة وجود قوميات وشعوب، كما هو معروف.
ومن بين هذه القوميات، كان موقف الإسلام إيجابياً من العروبة، دون جاهلية أو عصبية أو عنصرية ضد الأمم الأخرى، ولكنه ميز العروبة بالتخاطب بها وبتبني لغتها وبتحميل الرسالة والأمانة لقومها، وبأن الإسلام جاء امتداداً طبيعياً لتراثها المتأصل في الحنيفية التي ينتسب إليها سيدنا إبراهيم، وما كان التأكيد على أن إبراهيم كان مسلماً حنيفاً إلا للتأكيد على انتمائه الحضاري الأصيل، والحنيفية ملة أصيلة في الحجاز.
ويتخذ البعض مغرضاً ما جاء في الآية 97 من سورة التوبة من أن "الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجدرُ ألا يعلموا حدودَ ما أنزل الله..." ذريعة للتهجم على العرب زوراً باسم الإسلام، ولزرع إسفينٍ بين العروبة والإسلام، ولكن هذا المنطق الشعوبي يعاني من مشكلتين مترابطتين هما: 1) الجهل باللغة العربية، و2) الجهل بالقران. فكلمة الأعراب تعني البدو، لا كل العرب، والمقصود في تلك الآية بالذات ليس كل البدو بل بعض المنافقين منهم، والآيات اللاحقة فوراً لما سبق تتحدث عن البدو المؤمنين: "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قرباتٍ عند الله..." (التوبة، الآية 99)، ويتكرر الأمر مرتين بعدها في السورة نفسها بالحديث عن المنافقين من الأعراب ثم الذين تابوا وآمنوا.
إذن، لا مبرر على الإطلاق لمعارضة الإسلام بالعروبة أو العروبة بالإسلام، إلا إذا كانت العروبة جاهلية، أو كان فهم الإسلام شعوبياً مشوهاً، والفهم الشعوبي للإسلام يستخدم دوماً للسيطرة على العرب والمسلمين من الخارج ولتخريب علاقتهم ببعضهم البعض. وفي زماننا المعاصر، يتبع أن أي خلاف إن وجد ما بين الوطنيين والإسلاميين لا يجد سنده في القران الكريم أو الدين، بل في قضايا السياسة، والأسلم إسلامياً وقومياً أن يتفقوا، لا أن يختلفوا، لمواجهة أعداء الأمة المشتركين.